يفتتح
المقري الباب السابع من كتابه قائلا : « اعلم أن فضل أهل الأندلس ظاهر، كما أن
حُسن بلادهم باهر، ولذلك ذكر ابنُ غالب في ”فرحة الأنفس“ لما أثنى على الأندلس
وأهلها أن بطليموس جعل لهم، من أجل ولاية الزُّهَرة لبلادهم، حُسن الهمّة في الملبس والمطعم، والنظافة والطهارة،
والحب للهو والغناء، وتوليد اللحون، ومن أجل ولاية عطارد حُسن التدبير، والحرص على
طلب العلم، وحب الحكمة والفلسفة والعدل
والإنصاف (ج.، 4، ص.، 3) ».
ثم يورد رسالة ابن حزم في فضل أهل الأندلس نقتطف
منها ما يلي: « وأما الفلسفة فإني رأيت فيها رسائل مجموعة وعيونا مؤلفة لسعيد بن
فتحون السرقسطي المعروف بالحمار دالة على تمكنه من هذه الصناعة، وأما رسائل
أستاذنا أبي عبد الله محمد بن الحسن المذحِجي في ذلك فمشهورة متداولة وتامة الحسن
فائقة الجودة عظيمة المنفعة. وأما العدد والهندسة فلم يُقسم لنا في هذا العلم نفاذ
ولا تحققنا به فلسنا نثق بأنفسنا في تمييز المحسن من المقصّر في المؤلفين من أهل
بلدنا (ص.، 20)»
وفي
نفس الباب، باب فضل أهل الأندلس، يرد تذييلُ ابن سعيد على رسالة ابن حزم نجتزأ منه
ما يلى: « وأما كتب علم الموسيقا فكتاب أبي بكر بن باجة الغرناطي في ذلك فيه كفاية
وهو في المغرب بمنزلة أبي نصر الفارابي بالمشرق، وإليه تُنسب الألحان المطربة
بالأندلس التي عليها الاعتماد (...) وأما كتب الفلسفة فإمامها في عصرنا أبو الوليد
ابن رشد القرطبي، وله فيها تصانيف جَحَدها لما رأى انحراف منصور بني عبد المؤمن عن
هذا العلم، وسجنه بسببها، وكذلك ابن حبيب الذي قتله المأمون بن المنصور على هذا
العلم بإشبيلية، وهو علم ممقوت بالأندلس لا يستطيع صاحبه إظهاره، فلذلك تخفى
تصانيفه (ص.، 26-27)»
ونختم
بمقتطف من وصية لسان الدين بن الخطيب لأولاده: « وإياكم والعلوم القديمة، والفنون
المهجورة الذميمة، فأكثرها لا يفيد إلا تشكيكا، ورأيا ركيكا، ولا يثمر في العاجلة
إلا اقتحام العيون، وتطريق الظنون، وتطويق الاحتقار، وسمة الّصََّغار، وخمول
الأقدار، والخسف من بعد الإبدار، وجادة الشريعة أعرق في الاعتدال، وأوفق من قطع
العمر في الجدال، هذا ابن رشد قاضي المصر ومفتيه وملتمس الرشد وموليه، عادت عليه
بالسخطة الشنيعة، وهو إمام الشريعة، فلا سبيل إلى اقتحامها، والتورط في ازدحامها،
ولا تخلطوا حامكم بحامها، إلا ما كان من حساب ومساحة، وما يعود بجدوى فلاحة، وعلاج
يرجع على النفس والجسم براحة، وما سوى ذلك فمحجور، وضَرَمٌ مسجور وممقوت مهجور. »
(ج. 9 ، ص. 233).
تعكس
المقتطفات السالفة وضع الفلسفة في الأندلس والمغرب حتى الأمس القريب (القرن السابع
عشر). ولربما توسع البعض ورأى أن دار لقمان بقيت على حالها: يتوزعها اعتراف
واعتماد من جهة ونكران وجحود من جهة أخرى. كيف تشكلت هذه الرؤى تاريخيا ؟ أقصد كيف
فُهمت الفلسفة حتى تم التنكر أو التشيع لها ؟ وكيف نقرأ نحن الآن هذا الذي وصلنا
مختلفا فيه / حوله وبسببه ؟ كيف نحرره من أوهامنا، من إسقاطاتنا عليه: ما نتمنى أن
يكون عليه أمره ؟ كيف نتحرر من عقالاته
وعوائقه : أسئلته المغلوطة ؟ أي في آخر المطاف كيف، بهذا التحرير وهذا التحرر، كيف
نحرر الحياة فينا : لأن هذا هو مدار هذا الأمر المسمى فلسفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق